فصل: كِتَابُ النِّكَاحِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.كِتَابُ النِّكَاحِ:

هُوَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْوَطْءُ الْمُبَاحُ. قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَسُمِّيَ التَّزْوِيجُ نِكَاحًا؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْوَطْءِ؛ وَقَالَ غُلَامُ ثَعْلَبٍ: الَّذِي حَصَّلْنَاهُ عَنْ ثَعْلَبٍ عَنْ الْكُوفِيِّينَ، وَعَنْ الْمُبَرِّدِ عَنْ الْبَصْرِيِّينَ: أَنَّهُ الْجَمْعُ.
قَالَ الشَّاعِرُ: أَيُّهَا الْمُنْكِحُ الثُّرَيَّا سُهَيْلًا عَمْرُك اللَّهَ كَيْفَ يَجْتَمِعَانِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ الْوَطْءُ، وَقَدْ يَكُونُ الْعَقْدَ، وَعَنْ الزَّجَّاجِ أَنَّهُمَا بِمَعْنَاهُمَا جَمِيعًا.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ: الْجَمْعُ وَالضَّمُّ عَلَى أَتَمِّ الْوُجُوهِ فَإِنْ كَانَ اجْتِمَاعًا بِالْأَبْدَانِ فَهُوَ الْإِيلَاجُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ غَايَةٌ مِنْ اجْتِمَاعِ الْبَدَنَيْنِ، وَإِنْ كَانَ اجْتِمَاعًا بِالْعُقُودِ، فَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَهُمَا عَلَى الدَّوَامِ وَاللُّزُومِ، وَلِهَذَا يُقَالُ: اسْتَنْكَحَهُ الْمَذْيُ إذَا لَازَمَهُ وَدَاوَمَهُ. انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ عَنْ شَيْخِهِ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: فَرَّقَتْ الْعَرَبُ فَرْقًا لَطِيفًا، فَإِذَا قَالُوا: نَكَحَ فُلَانَةَ أَرَادُوا تَزْوِيجَهَا، وَإِذَا قَالُوا: نَكَحَ امْرَأَتَهُ أَرَادُوا مُجَامَعَتَهَا. وَفِي الشَّرْعِ: هُوَ عَقْدُ التَّزْوِيجِ، فَعِنْدَ إطْلَاقِ لَفْظِهِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ مَا لَمْ يَصْرِفْهُ دَلِيلٌ، وَهُوَ (حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ) جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ، لِأَنَّهُ الْأَشْهَرُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: وَلِهَذَا قِيلَ: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ لَفْظُ النِّكَاحِ بِمَعْنَى الْوَطْءِ، إلَّا قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} وَلِصِحَّةِ نَفْيِهِ عَنْ الْوَطْءِ فَيُقَالُ: هَذَا سِفَاحٌ وَلَيْسَ بِنِكَاحٍ، وَيُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «وُلِدْت مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ». وَيُقَالُ عَنْ السُّرِّيَّةِ: لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَلَا مَنْكُوحَةٍ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ اللَّذَيْنِ يَنْعَقِدُ بِهِمَا عَقْدُ النِّكَاحِ، فَكَانَ حَقِيقَةً فِيهِ كَاللَّفْظِ الْآخَرِ (مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَقِيلَ: عَكْسُهُ): أَيْ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَشَرْحِ الْخِرَقِيِّ وَالْعُمْدَةِ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ وَأَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْأَزْهَرِيِّ وَغُلَامِ ثَعْلَبٍ، وَلِقَوْلِ الْعَرَبِ: أَنْكَحْنَا الْفَرَا فَسَيُرَى: أَيْ أَضْرَبْنَا فَحْلَ حُمُرِ الْوَحْشِ أُتُنَهُ، فَسَيُرَى مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُمَا. فَضُرِبَ مَثَلًا لِلْأَمْرِ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَتَفَرَّقُونَ عَنْهُ. وَقَالَ الشَّاعِرُ: وَمِنْ أَيِّمٍ قَدْ أَنْكَحَتْنَا رِمَاحُنَا وَأُخْرَى عَلَى خَالٍ وَعَمٍّ تَلَهَّفُ وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ الْأَشْهَرَ اسْتِعْمَالُ لَفْظَةِ النِّكَاحِ بِإِزَاءِ الْعَقْدِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلِسَانِ أَهْلِ الْعُرْفِ، ثُمَّ لَوْ قُدِّرَ كَوْنُهُ مَجَازًا فِي الْعَقْدِ لَكَانَ اسْمًا عُرْفِيًّا يَجِبُ صَرْفُ اللَّفْظِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَيْهِ لِشُهْرَتِهِ كَسَائِرِ الْأَسْمَاءِ الْعُرْفِيَّةِ (وَالْأَشْهَرُ) أَنَّ لَفْظَ النِّكَاحِ (مُشْتَرَكٌ) بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ، فَيُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ حَقِيقَةً. قَالَهُ الْقَاضِي؛ لِقَوْلِنَا بِتَحْرِيمِ مَوْطُوءَةِ الْأَبِ مِنْ غَيْرِ تَزْوِيجٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ} (وَالْمَعْقُودُ) الَّذِي يُرَدُّ (عَلَيْهِ) عَقْدُ النِّكَاحِ (مَنْفَعَةُ الِاسْتِمْتَاعِ) لَا مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ؛ إذْ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ لَا تُمْلَكُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا يُسْتَبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهَا.
قَالَ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْحِلُّ، لَا مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ، وَلِهَذَا يَقَعُ الِاسْتِمْتَاعُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهَا. وَقِيلَ: بَلْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الِازْدِوَاجُ كَالْمُشَارَكَةِ، وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ} وَقَوْلُهُ: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالْوِجَاءُ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفَتْحِ الْجِيمِ- رَضُّ الْخَصِيَتَيْنِ أَصَالَةً، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَاسِرٌ لِشَهْوَتِهِ بِإِدَامَتِهِ. وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إنِّي أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: «رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَالتَّبَتُّلُ: تَرْكُ النِّكَاحِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَدِلَّةِ. (وَسُنَّ) النِّكَاحُ (لِذِي شَهْوَةٍ لَا يَخَافُ الزِّنَا) لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، عَلَّلَ أَمْرَهُ بِأَنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَخَاطَبَ الشَّبَابَ؛ لِأَنَّهُمْ أَغْلَبُ شَهْوَةً، وَذَكَرَهُ بِأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ أَوْلَى لِلْأَمْنِ مِنْ الْوُقُوعِ فِي مَحْظُورَاتِ النَّظَرِ وَالزِّنَا مِنْ تَرْكِهِ (وَاشْتِغَالَهُ) أَيْ: ذِي الشَّهْوَةِ (بِهِ) أَيْ النِّكَاحِ (أَفْضَلُ مِنْ) نَوَافِلِ الْعِبَادَةِ، قَالَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَمِنْ (التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ) قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَجَلِي إلَّا عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَأَعْلَمُ أَنِّي أَمُوتُ فِي آخِرِهَا يَوْمًا، لِي فِيهِ طَوْلُ النِّكَاحِ، لَتَزَوَّجْت مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: تَزَوَّجْ، فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً (قَالَ أَحْمَدُ) فِي رِوَايَةِ المروذي (لَيْسَتْ الْعُزُوبَةُ مِنْ أَمْرِ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ) وَمَنْ دَعَاك إلَى غَيْرِ التَّزْوِيجِ فَقَدْ دَعَاك إلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ.
قَالَ الْآمِدِيُّ: يُسْتَحَبُّ فِي حَقِّ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، وَالْعَاجِزِ وَالْوَاجِدِ، وَالرَّاغِبِ وَالزَّاهِدِ، نَصًّا، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصْبِحُ وَمَا عِنْدَهُمْ شَيْءٌ، وَيُمْسِي وَمَا عِنْدَهُمْ شَيْءٌ»، وَلِأَنَّهُ «عَلَيْهِ السَّلَامُ زَوَّجَ رَجُلًا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى خَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَلَا وَجَدَ إلَّا إزَارَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ رِدَاءٌ». أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ قَلِيلِ الْكَسْبِ يَضْعُفُ قَلْبُهُ عَنْ التَّزْوِيجِ: فَأَمَّا مَنْ لَا يُمْكِنُهُ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} انْتَهَى.
وَنَقَلَ صَالِحٌ: يَقْتَرِضُ وَيَتَزَوَّجُ، فَإِنَّ أَحْمَدَ تَزَوَّجَ وَهُوَ لَا يَجِدُ الْقُوتَ، وَلِأَنَّ مَصَالِحَ النِّكَاحِ أَكْثَرُ مِنْ مَصَالِحِ التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ، لِاشْتِمَالِهِ عَلَى تَحْصِينِ فَرْجِ نَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَحِفْظِهَا وَالْقِيَامِ بِهَا وَإِيجَادِ النَّسْلِ، وَتَكْثِيرِ الْأُمَّةِ وَتَحْقِيقِ مُبَاهَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ الرَّاجِحِ أَحَدُهَا عَلَى نَفْلِ الْعِبَادَةِ.
فَائِدَةٌ:
قَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّ أَحْمَدَ لَمْ يَتَزَوَّجْ حَتَّى صَارَ لَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً اشْتِغَالًا بِطَلَبِ الْعِلْمِ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ شَغَلَهُ النِّكَاحُ عَنْ طَلَبِ الْعِلْمِ فَطَلَبُ الْعِلْمِ أَوْلَى.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَمْ يَشْتَغِلْ أَحْمَدُ بِكَسْبٍ وَلَا نِكَاحٍ حَتَّى بَلَغَ مِنْ الْعِلْمِ مَا أَرَادَ، وَنَقَلَ الْخَلَّالُ عَنْ المروذي أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَهُ: مَا تَزَوَّجْت إلَّا بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ. (وَيُبَاحُ) النِّكَاحُ (لِمَنْ لَا شَهْوَةَ لَهُ) أَصْلًا، كَالْعِنِّينِ وَالْمَرِيضِ وَالْكَبِيرِ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي يَجِبُ النِّكَاحُ لَهَا أَوْ يُسْتَحَبُّ- وَهُوَ خَوْفُ الزِّنَا أَوْ وُجُودِ الشَّهْوَةِ- مَفْقُودَةٌ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ الْوَلَدُ، وَهُوَ فِيمَنْ لَا شَهْوَةَ لَهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ الْخِطَابُ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا فِي حَقِّهِ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ، لِعَدَمِ مَنْعِ الشَّرْعِ مِنْهُ، وَتَخَلِّيهِ إذَنْ لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ (وَقِيلَ: يُكْرَهُ) النِّكَاحُ لِمَنْ لَا شَهْوَةَ لَهُ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ لِمَنْعِ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا مِنْ التَّحْصِينِ بِغَيْرِهِ، وَيَضُرُّهَا بِحَبْسِهَا عَلَى نَفْسِهِ، وَيُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِوَاجِبَاتٍ وَحُقُوقٍ لَعَلَّهُ لَا يَقُومُ بِهَا، وَيَشْتَغِلُ عَنْ الْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ. (وَيَجِبُ) النِّكَاحُ بِنَذْرٍ وَ(عَلَى مَنْ يَخَافُ) بِتَرْكِهِ (زِنًا) وَقَدَرَ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ وَلَوْ كَانَ خَوْفُهُ ذَلِكَ (ظَنًّا، مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ،) لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إعْفَافُ نَفْسِهِ وَصَرْفِهَا عَنْ الْحَرَامِ، وَطَرِيقُهُ النِّكَاحِ (وَيُقَدَّمُ) النِّكَاحُ (إذَنْ) أَيْ حِينَ وُجُوبِهِ (عَلَى حَجٍّ وَاجِبٍ) زَادَ أَحْمَدُ: نَصًّا، خَشْيَةَ الْوُقُوعِ فِي مَحْذُورٍ بِتَأْخِيرِهِ، بِخِلَافِ الْحَجِّ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَإِنْ كَانَتْ الْعِبَادَاتُ فَرْضَ كِفَايَةٍ كَالْعِلْمِ وَالْجِهَادِ قُدِّمَتْ عَلَى النِّكَاحِ إذَا لَمْ يَخَفْ الْعَنَتَ (وَلَا يُكْتَفَى) فِي الْخُرُوجِ مِنْ وُجُوبِ النِّكَاحِ حَيْثُ وَجَبَ الْعَقْدُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، بَلْ يَكُونُ التَّزْوِيجُ (فِي مَجْمُوعِ الْعُمْرِ) لِيَحْصُلَ الْإِعْفَافُ وَصَرْفُ النَّفْسِ عَنْ الْحَرَامِ (وَيُجْزِئُ تَسَرٍّ عَنْهُ) أَيْ: عَنْ النِّكَاحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} لَكِنَّ التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ مِنْ التَّسَرِّي وِفَاقًا إنْ مَلَكَ نَفْسَهُ. (وَيَجُوزُ) نِكَاحُ مُسْلِمَةٍ (بِدَارِ حَرْبٍ لِضَرُورَةٍ لِغَيْرِ أَسِيرٍ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْبُهُوتِيُّ: لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِدَارِ الْحَرْبِ مِنْ الْكُفَّارِ، بَلْ حَيْثُ احْتَاجَ يَتَزَوَّجُ الْمُسْلِمَةَ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ لِسَلَامَةِ الْوَلَدِ مِنْ أَنْ يَسْتَعْبِدَ انْتَهَى.
فَإِنْ لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ لَمْ يَتَزَوَّجْ وَلَوْ مُسْلِمَةً، نَصًّا وَأَمَّا الْأَسِيرُ فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: لَا يَحِلُّ لَهُ التَّزْوِيجُ مَا دَامَ أَسِيرًا، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ وَطْءِ امْرَأَتِهِ إذَا أُسِرَتْ مَعَهُ مَعَ صِحَّةِ نِكَاحِهِمَا، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ (وَ يَصِحُّ النِّكَاحُ بِدَارِ الْحَرْبِ لِلضَّرُورَةِ)، لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ (وَيَعْزِلُ نَدْبًا) إنْ أُبِيحَ لَهُ نِكَاحُ مُسْلِمَةٍ بِأَنْ دَخَلَ دِيَارَ كُفْرٍ بِأَمَانٍ، أَوْ لِتِجَارَةٍ وَغَلَبَتْ عَلَيْهِ الشَّهْوَةُ. قَالَهُ فِي الْفُصُولِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَيَجِبُ عَزْلُهُ، فَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ حَرُمَ ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ أَوْ جَازَ (وَإِنْ) تَزَوَّجَ (بِلَا ضَرُورَةٍ) فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْزِلَ (وُجُوبًا) لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّزَوُّجِ وَالتَّسَرِّي بِلَا ضَرُورَةٍ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَحَيْثُ حَرُمَ نِكَاحُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ وَفِعْلٍ؛ وَجَبَ عَزْلُهُ، وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ (وَمُقْتَضَى تَعْلِيلِهِمْ) أَيْ: الْأَصْحَابِ (جَوَازُ نِكَاحِ نَحْوِ آيِسَةٍ) كَصَغِيرَةٍ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: مِنْ أَجْلِ الْوَلَدِ، لِئَلَّا يُسْتَعْبَدَ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَهُ أَنْ: يَتَزَوَّجَ؛ لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ: أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ أَبَا بَكْرٍ وَهُمْ تَحْتَ الرَّايَاتِ» رَوَاه سَعِيدٌ، وَلِأَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَدَ لَهُمْ عَلَيْهِ؛ أَشْبَهَ مَنْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. (وَسُنَّ) لِمَنْ أَرَادَ نِكَاحًا (تَخَيُّرُ ذَاتِ دِينٍ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاك» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، (وَ) ذَاتِ (عَقْلٍ) لَا حَمْقَاءَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُرَادُ لِلْعِشْرَةِ الْحَسَنَةِ وَلَا تَصْلُحُ الْعِشْرَةُ مَعَ الْحَمْقَاءِ، وَلَا يَطِيبُ مَعَهَا عَيْشٌ، وَرُبَّمَا تَعَدَّى ذَلِكَ إلَى وَلَدِهَا وَقَدْ قِيلَ: اجْتَنِبُوا الْحَمْقَاءَ؛ فَإِنَّ وَلَدَهَا ضَيَاعٌ وَصُحْبَتَهَا بَلَاءٌ، (وَ) أَنْ تَكُونَ مِنْ بَيْتٍ مَعْرُوفٍ بِالْ (قَنَاعَةِ) لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ دِينِهَا وَقَنَاعَتِهَا، (وَ) أَنْ تَكُونَ ذَاتَ (جَمَالٍ) لِأَنَّهُ أَسْكَنُ لِنَفْسِهِ، وَأَغَضُّ لِبَصَرِهِ، وَأَكْمَلُ لِمَوَدَّتِهِ، وَلِذَلِكَ جَازَ النَّظَرُ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ قَالَ: الَّتِي تَسُرُّهُ إذَا نَظَرَ إلَيْهَا، وَتُطِيعُهُ إذَا أَمَرَهَا، وَلَا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَلَا فِي مَالِهِ بِمَا يَكْرَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُ فَائِدَةٍ أَفَادَهَا الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ بَعْدَ إسْلَامِهِ امْرَأَةٌ جَمِيلَةٌ تَسُرُّهُ إذَا نَظَرَ إلَيْهَا، وَتُطِيعُهُ إذَا أَمَرَهَا، وَتَحْفَظُهُ فِي غَيْبَتِهِ فِي مَالِهِ وَنَفْسِهَا» رَوَاه سَعِيدٌ (الْوَلُودُ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ: «كَان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَيُعْرَفُ كَوْنُ الْبِكْرِ وَلُودًا بِكَوْنِهَا مِنْ نِسَاءٍ يُعْرَفْنَ بِكَثْرَةِ الْأَوْلَادِ (الْحَسِيبَةُ) وَهِيَ طَيِّبَةُ الْأَصْلِ لِيَكُونَ وَلَدُهَا نَجِيبًا، فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَشْبَهَ أَهْلَهَا وَنَزَعَ إلَيْهِمْ (الْأَجْنَبِيَّةُ) لِأَنَّ وَلَدَهَا يَكُونُ أَنْجَبَ، وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ الْفِرَاقَ، فَيُفْضِي مَعَ الْقَرَابَةِ إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ الْمَأْمُورِ بِصِلَتِهَا. وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْغَرَائِبَ أَنْجَبُ وَبَنَاتِ الْعَمِّ أَصْبَرُ (الْبِكْرُ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِجَابِرٍ: «فَهَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُك» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (إلَّا أَنْ تَكُونَ مَصْلَحَتُهُ فِي نِكَاحِ ثَيِّبٍ أَرْجَحُ) فَيُقَدِّمُهَا عَلَى الْبِكْرِ مُرَاعَاةً لِلْمَصْلَحَةِ.
وَ(لَا) يَنْبَغِي تَزَوُّجُ (بِنْتِ زِنًا وَلَقِيطَةٍ وَحَمْقَاءَ وَدَنِيئَةِ نَسَبٍ) وَمَنْ لَا يُعْرَفُ أَبُوهَا (وَلَا يَصْلُحُ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ قَدْ طَالَ لُبْثُهَا مَعَ رَجُلٍ، وَمِنْ التَّفْضِيلِ تَزَوُّجُ شَيْخٍ بِصَبِيَّةٍ)، أَيْ شَابَّةٍ (وَيَمْنَعُ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ مِنْ مُخَالَطَةِ النِّسَاءِ؛ فَإِنَّهُنَّ يُفْسِدْنَهَا عَلَيْهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَسْكُنَ الرَّجُلُ بِهَا) أَيْ بِزَوْجَتِهِ (عِنْدَ أَهْلِهَا) لِسُقُوطِ حُرْمَتِهِ عِنْدَهَا بِذَلِكَ (وَأَنْ لَا يُدْخِلَ بَيْتَهُ مُرَاهِقًا وَلَا يَأْذَنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ) مِنْ بَيْتِهِ؛ لِأَنَّهَا إذَا اعْتَادَتْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ مَنْعِهَا بَعْدَ ذَلِكَ (وَلَا يَسْأَلُ عَنْ دِينِهَا حَتَّى يُحْمَدَ لَهُ جَمَالُهَا) قَالَ أَحْمَدُ: إذَا خَطَبَ الرَّجُلُ امْرَأَةً سَأَلَ عَنْ جَمَالِهَا أَوَّلًا، فَإِنْ حُمِدَ سَأَلَ عَنْ دِينِهَا، فَإِنْ حُمِدَ تَزَوَّجَ، وَإِنْ لَمْ يُحْمَدْ يَكُونُ رَدًّا لِأَجْلِ الدِّينِ، وَلَا يَسْأَلُ أَوَّلًا عَنْ الدِّينِ، فَإِنْ حُمِدَ سَأَلَ عَنْ الْجَمَالِ، فَإِنْ لَمْ يُحْمَدْ رَدَّهَا لِلْجَمَالِ لَا لِلدِّينِ.
فَائِدَةٌ:
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَمَنْ اُبْتُلِيَ بِالْهَوَى فَأَرَادَ التَّزْوِيجَ، فَلْيَجْتَهِدْ فِي نِكَاحِ الَّتِي اُبْتُلِيَ بِهَا إنْ صَحَّ ذَلِكَ وَجَازَ، وَإِلَّا فَلْيَتَخَيَّرْ مَا يَظُنُّهُ مِثْلَهَا انْتَهَى.
وَمَنْ أَمَرَهُ بِهِ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَأَبِي دَاوُد: أَمَرْتُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْ كَانَ شَابًّا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ، أَمَرْتُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ، فَجَعَلَ أَمْرَ الْأَبَوَيْنِ لَهُ بِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ خَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ، وَلِوُجُوبِ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: وَاَلَّذِي يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ لَا يَتَزَوَّجُ أَبَدًا، إنْ أَمَرَهُ بِهِ أَبُوهُ تَزَوَّجَ (وَلَيْسَ لِوَالِدَيْهِ إلْزَامُهُ بِنِكَاحِ مَنْ لَا يُرِيدُ) نِكَاحَهَا؛ لِعَدَمِ حُصُولِ الْغَرَضِ بِهَا (فَلَا يَكُونُ عَاقًّا) بِمُخَالَفَتِهِمَا ذَلِكَ (كَأَكْلِ مَا لَا يُرِيدُ) أَكْلَهُ (قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (وَلَا يَزِيدُ عَلَى وَاحِدَةٍ نَدْبًا إنْ عَفَّتْهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْرِيضِ لِلْمُحَرَّمِ.
قَالَ تَعَالَى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ}. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إلَى إحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. وَأَرَادَ أَحْمَدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْ يَتَسَرَّى، فَقَالَ: يَكُونُ لَهُمَا لَحْمٌ، يُرِيدُ كَوْنَهُمَا سَمِينَتَيْنِ، وَكَانَ يُقَالُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ فَلْيَسْتَجِدْ شَعْرَهَا، فَإِنَّ الشَّعْرَ وَجْهٌ، فَتَخَيَّرُوا أَحَدَ الْوَجْهَيْنِ. وَأَحْسَنُ النِّسَاءِ التُّرْكِيَّاتُ، وَأَصْلُحُهُنَّ الْجَلْبُ الَّتِي لَمْ تَعْرِفْ أَحَدًا. وَلْيَعْزِلْ عَنْ الْمَمْلُوكَةِ إلَى أَنْ يَتَيَقَّنَ جَوْدَةَ دِينِهَا وَقُوَّةَ مَيْلِهَا، وَلْيَحْذَرْ الْعَاقِلُ إطْلَاقَ الْبَصَرِ؛ فَإِنَّ الْعَيْنَ تَرَى غَيْرَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ عَلَى غَيْرِ مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ الْعِشْقُ فَيُهْلِكُ الْبَدَنَ وَالدِّينَ، فَمَنْ اُبْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلْيُفَكِّرْ فِي عُيُوبِ النِّسَاءِ.
تَنْبِيهٌ:
نَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي بَعْضِ تَعَالِيقِهِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَالْغَزَالِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا: يُكْرَهُ نِكَاحُ الْحَنَّانَةِ وَالْمَنَّانَةِ وَالْأَنَّانَةِ وَالْحَدَّاقَةِ وَالْبَرَّاقَةِ وَالشَّدَّاقَةِ وَالْمِمْرَاضَةِ. فَالْحَنَّانَةُ الَّتِي لَهَا وَلَدٌ تَحِنُّ إلَيْهِ، وَالْمَنَّانَةُ الَّتِي تَمُنُّ عَلَى الزَّوْجِ بِمَا تَفْعَلُهُ وَالْأَنَّانَةُ كَثِيرَةُ الْأَنِينِ، وَالْحَدَّاقَةُ الَّتِي تَسْرِقُ كُلَّ شَيْءٍ بِحَدَقَتِهَا وَتُكَلِّفُ الزَّوْجَ، وَالْبَرَّاقَةُ الَّتِي تَشْتَغِلُ غَالِبَ أَوْقَاتِهَا بِبَرِيقِ وَجْهِهَا وَتَحْسِينِهِ. وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي يُصِيبُهَا الْغَضَبُ عِنْدَ الطَّعَامِ فَلَا تَأْكُلُ إلَّا وَحْدَهَا، وَالشَّدَّاقَةُ كَثِيرَةُ الْكَلَامِ، وَالْمِمْرَاضَةُ الَّتِي تَتَمَارَضُ غَالِبَ أَوْقَاتِهَا مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ، «وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ: لَا تَتَزَوَّجْ خَمْسًا: شَهْبَرَةٌ، وَهِيَ الزَّرْقَاءُ الْبَدِينَةُ، وَلَا لَهْبَرَةٌ وَهِيَ الطَّوِيلَةُ الْمَهْزُولَةُ، وَلَا نَهْبَرَةٌ وَهِيَ الْعَجُوزُ الْمُدْبِرَةُ، وَلَا هَنْدَرَةٌ وَهِيَ الْقَصِيرَةُ الذَّمِيمَةُ، وَلَا لَفُوتٌ وَهِيَ ذَاتُ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِك». وَلَوْ تَعَارَضَتْ تِلْكَ الصِّفَاتُ فَالْأَظْهَرُ تَقْدِيمُ ذَاتِ الدِّينِ مُطْلَقًا، ثُمَّ الْعَقْلِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ انْتَهَى.
(قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ) فِي كِتَابِ النِّسَاءِ (وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ أَنْ يَنْظُرَ لَهَا شَابًّا حَسَنَ الصُّورَةِ) وَ(لَا) يُزَوِّجُهَا (دَمِيمًا) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْقَبِيحُ (وَعَلَى مَنْ اُسْتُشِيرَ فِي خَاطِبٍ أَوْ مَخْطُوبَةٍ أَنْ يَذْكُرَ مَا فِيهِ مِنْ مَسَاوِئَ) أَيْ: عُيُوبٍ (وَغَيْرِهَا) وَلَا يَكُونُ ذِكْرُ الْمَسَاوِئِ (غِيبَةً) مُحَرَّمَةً (مَعَ قَصْدِ) هـ بِذِكْرِ ذَلِكَ (النَّصِيحَةَ) لِحَدِيثِ «الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ». وَحَدِيثِ «الدِّينُ النَّصِيحَةُ». وَإِنْ اُسْتُشِيرَ فِي أَمْرِ نَفْسِهِ بَيَّنَهُ وُجُوبًا، كَقَوْلِهِ: عِنْدِي شُحٌّ، وَخُلُقِي شَدِيدٌ، وَنَحْوُهُمَا؛ لِعُمُومِ مَا سَبَقَ.

.فَصْلٌ: [فيمَنْ أَرَادَ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ]:

(وَيُبَاحُ) لِمَنْ أَرَادَ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إجَابَتُهُ، نَظَرَ مَا يَظْهَرُ غَالِبًا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ والْمَذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ والْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ (وَلَا يُسَنُّ) النَّظَرُ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ حَيْثُ جَعَلَهُ مَنْسُوبًا.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَيَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ النَّظَرُ. هَذَا الْمَذْهَبُ، وَذَلِكَ لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِالنَّظَرِ بَعْدَ الْحَظْرِ. رَوَى «الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اُنْظُرْ إلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» رَوَاه الْخَمْسَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد.
قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ: آدَمَ اللَّهُ بَيْنَكُمَا يَأْدَمُ أُدْمًا بِالسُّكُونِ. أَيْ: أَلَّفَ وَوَفَّقَ (لِمَنْ أَرَادَ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ) بِكَسْرِ الْخَاءِ (وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إجَابَتُهُ نَظَرَ مَا يَظْهَرُ) مِنْهَا (غَالِبًا كَوَجْهٍ وَرَقَبَةٍ وَيَدٍ وَقَدَمٍ) لِحَدِيثِ: «إذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَقَدَرَ أَنْ يَرَى مِنْهَا بَعْضَ مَا يَدْعُوهُ إلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَقَوْلُهُ: «إذَا أَلْقَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَلْبِ امْرِئٍ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا» رَوَاه أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ. (وَيُكَرِّرُهُ) أَيْ النَّظَرَ (وَيَتَأَمَّلُ الْمَحَاسِنَ بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْمَرْأَةِ، وَلَعَلَّ عَدَمَ الْإِذْنِ أَوْلَى؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إلَى مَا يَدْعُوهُ إلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ قَالَ: فَخَطَبْت جَارِيَةً مِنْ بَنِي سَلَمَةَ، فَكُنْت أَتَخَبَّأُ لَهَا حَتَّى رَأَيْت مِنْهَا بَعْضَ مَا دَعَانِي إلَى نِكَاحِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد (إنْ أَمِنَ) مُرِيدُ خِطْبَةِ الْمَرْأَةِ (الشَّهْوَةَ) أَيْ: ثَوَرَانَهَا (مِنْ غَيْرِ خَلْوَةٍ) فَإِنْ كَانَ مَعَ خَلْوَةٍ أَوْ مَعَ خَوْفِ ثَوَرَانِ (الشَّهْوَةِ)؛ لَمْ يَجُزْ (فَإِنْ شَقَّ) عَلَيْهِ النَّظَرُ (أَوْ كَرِهَتْ بَعَثَ) إلَيْهَا (امْرَأَةً) ثِقَةً تَتَأَمَّلُهَا ثُمَّ (تَصِفُهَا لَهُ) لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ (وَلِرَجُلٍ نَظَرُ ذَلِكَ) أَيْ: الْوَجْهِ وَالرَّقَبَةِ وَالْيَدِ وَالْقَدَمِ (وَ) نَظَرُ (رَأْسٍ وَسَاقٍ مِنْ أَمَةٍ وَلَوْ غَيْرَ مُسْتَامَةٍ) إذْ الْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ فِي الْمُسْتَامَةِ كَالْمَخْطُوبَةِ وَأَوْلَى، لِأَنَّهَا تُرَادُ لِلِاسْتِمْتَاعِ وَغَيْرِهِ مِنْ التِّجَارَةِ وَحُسْنُهَا يَزِيدُ فِي ثَمَنِهَا، وَالْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِرُؤْيَةِ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ فَاكْتُفِيَ بِهِ، وَكَذَا غَيْرُ الْمُسْتَامَةِ يَنْظُرُ مِنْهَا إلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ السِّتَّةِ. قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُغْنِي لِأَنَّهُ يَرْوِي عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى أَمَةً مُتَلَمْلِمَةً فَضَرَبَهَا بِالدِّرَّةِ وَقَالَ: أَتَتَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ يَا لُكَاعُ؟ وَرَوَى أَنَسٌ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ قَالَ النَّاسُ: لَا نَدْرِي أَجَعَلَهَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ أُمَّ وَلَدٍ؟ فَقَالُوا: إنْ حَجَبَهَا فَهِيَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ، فَلَمَّا رَكِبَ وَطِئَ لَهَا خَلْفَهُ، وَمَدَّ الْحِجَابَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَدَمَ حَجْبِ الْإِمَاءِ كَانَ مُسْتَفِيضًا عِنْدَهُمْ (خِلَافًا لِلْمُنْتَهَى) لِتَقْيِيدِهِ جَوَازَ النَّظَرِ لِلْأَمَةِ الْمُسْتَامَةِ تَبَعًا لِ التَّنْقِيحِ حَيْثُ قَالَ: وَمِنْ أَمَةٍ غَيْرِ مُسْتَامَةٍ إلَى غَيْرِ عَوْرَةِ صَلَاةٍ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَصْوَبُ مِمَّا فِي التَّنْقِيحِ، (وَ) لِرَجُلٍ أَيْضًا نَظَرُ وَجْهٍ وَرَقَبَةٍ وَيَدٍ وَقَدَمٍ وَرَأْسٍ وَسَاقٍ مِنْ (ذَاتِ مَحْرَمٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} الْآيَةَ.
قَالَ الْقَاضِي: يُبَاحُ عَلَى رِوَايَةٍ مَا يَظْهَرُ غَالِبًا كَالرَّأْسِ وَالْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ (وَهِيَ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَبَدًا بِنَسَبٍ) كَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ (أَوْ سَبَبٍ مُبَاحٍ) كَأُخْتِهِ مِنْ رَضَاعٍ وَزَوْجَةِ أَبِيهِ وَابْنِهِ وَأُمِّ زَوْجَتِهِ، بِخِلَافِ أُخْتِهَا وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا إلَى أَمَدٍ، وَيُبَاحُ النَّظَرُ إلَى رَبِيبَةٍ دَخَلَ بِأُمِّهَا (لِحُرْمَتِهَا) إخْرَاجٌ لِلْمُلَاعَنَةِ؛ لِأَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الْمَلَاعِنِ أَبَدًا عُقُوبَةً عَلَيْهِ، لَا لِحُرْمَتِهَا (إلَّا نِسَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَلَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ الْمَذْكُورِينَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} (وَلَا) يُبَاحُ لَهُ أَنْ (يَنْظُرَ) إلَى (نَحْوِ أُمٍّ مَزْنِيٍّ بِهَا) كَبِنْتِهَا وَأُمٍّ مَلُوطٍ بِهِ وَبِنْتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُنَّ مَحْرَمًا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالٌ) أَنَّ أُمَّ الْمَزْنِيِّ بِهَا لَا يُبَاحُ لِلزَّانِي النَّظَرُ إلَيْهَا (وَلَوْ نَكَحَهَا) أَيْ: الْمَزْنِيَّ بِهَا (بَعْدَ) ذَلِكَ، (لِأَنَّ التَّحْرِيمَ) أَيْ: تَحْرِيمَ نَظَرِهِ لِأُمِّهَا (قَدْ سَبَقَ) مِنْهُ (بِسَبَبِ مَحْرَمٍ) وَهُوَ الزِّنَا، فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ النَّظَرُ؛ عُقُوبَةً لَهُ، وَتَغْلِيظًا عَلَيْهِ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ تَمِيلُ إلَيْهِ النَّفْسُ؛ لِتَضَمُّنِهِ (الْوَرَعَ) (وَكَذَا مُحَرَّمَةٌ بِلِعَانٍ) يَحْرُمُ عَلَى الْمُلَاعِنِ النَّظَرُ إلَيْهَا، (وَ) كَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ نَظَرٌ (نَحْوَ بِنْتِ مَوْطُوءَةٍ، بِشُبْهَةٍ) كَأُمِّهَا، لِأَنَّ السَّبَبَ لَيْسَ مُبَاحًا.
تَنْبِيهٌ:
وَلَا تُسَافِرُ مُسْلِمَةٌ مَعَ أَبُوهَا الْكَافِرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحْرَمًا لَهَا فِي السَّفَرِ، نَصًّا، وَإِنْ كَانَ مَحْرَمًا فِي النَّظَرِ. وَإِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ جَمِيلَةً وَخِيفَتْ الْفِتْنَةُ بِهَا؛ حَرُمَ النَّظَرُ إلَيْهَا، كَالْغُلَامِ الْأَمْرَدِ الَّذِي تُخْشَى الْفِتْنَةُ بِنَظَرِهِ (لِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِي تَحْرِيمِ) النَّظَرِ، وَهُوَ الْخَوْفُ مِنْ الْفِتْنَةِ، وَالْفِتْنَةُ تَسْتَوِي فِيهَا الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، وَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّ الْأَمَةَ الْجَمِيلَةَ تَتَنَقَّبُ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْمَمْلُوكَةِ، فَكَمْ نَظْرَةٍ أَلْقَتْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا الْبَلَابِلَ (وَلِعَبْدٍ لَا مُبَعَّضٍ وَمُشْتَرَكٍ خِلَافًا لِلْمُوَفَّقِ) فِي جَعْلِهِ الْمُشْتَرَكَ كَالْعَبْدِ (نَظَرُ ذَلِكَ) أَيْ: الْوَجْهِ وَالرَّقَبَةِ وَالْيَدِ وَالْقَدَمِ وَالسَّاقِ وَالرَّأْسِ (مِنْ مَوْلَاتِهِ) أَيْ: مَالِكَةِ كُلِّهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} الْآيَةَ إلَى قَوْلِهِ: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ}؛ وَلِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَى رَبَّةِ الْعَبْدِ التَّحَرُّزُ مِنْهُ (وَكَذَا) أَيْ كَالْعَبْدِ وَالْمَحْرَمِ، (غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ) مِنْ الرِّجَالِ- أَيْ: غَيْرِ أُولِي الْحَاجَةِ مِنْ النِّسَاءِ- قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هُوَ الْمُخَنَّثُ الَّذِي لَا يَقُومُ عَلَيْهِ زُبُّهُ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ: الَّذِي لَا إرْبَ لَهُ فِي النِّسَاءِ، وَهُوَ مَنْ لَا شَهْوَةَ لَهُ (كَعِنِّينٍ وَكَبِيرٍ) وَمُخَنَّثٍ شَدِيدِ التَّأْنِيثِ فِي الْخِلْقَةِ حَتَّى يُشْبِهَ الْمَرْأَةَ فِي اللِّينِ وَالْكَلَامِ وَالنَّغْمَةِ وَالنَّظَرِ وَالْعَقْلِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي النِّسَاءِ إرْبٌ (وَمَرِيضٍ) وَهُوَ مَنْ ذَهَبَتْ شَهْوَتُهُ لِمَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ} (وَيُنْظَرُ مِمَّنْ لَا تُشْتَهَى كَعَجُوزٍ وَبَرْزَةٍ) قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: الْبَرْزَةُ هِيَ تَخْرُجُ وَتَدْخُلُ آمِنَةً عَلَى نَفْسِهَا، وَإِنْ كَانَتْ شَابَّةً (وَقَبِيحَةٍ) وَهِيَ الشَّوْهَاءُ الَّتِي لَا تُشْتَهَى، وَمَرِيضَةٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهَا (لِلْوَجْهِ خَاصَّةً). جَزَمَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَة: نَظَرُ كُلِّ عَجُوزَةٍ بَرْزَةٍ هِمَّةٍ، وَمَنْ لَا يُشْتَهَى مِثْلُهَا غَالِبًا، وَمَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ مِنْهَا، وَلَمْسُهُ، وَمُصَافَحَتُهَا وَالسَّلَامُ عَلَيْهَا، إنْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ. (وَلِشَاهِدٍ) نَظَرُ وَجْهٍ مَشْهُودٍ عَلَيْهَا تَحَمُّلًا، وَأَدَاءً عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ مِنْهُ؛ لِتَكُونَ الشَّهَادَةُ وَاقِعَةً عَلَى عَيْنِهَا.
قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَشْهَدُ عَلَى امْرَأَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ عَرَفَهَا بِعَيْنِهَا (وَ) كَذَا (مُعَامِلٌ) فِي بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَنَحْوِهِ يُبَاحُ (نَظَرُهُ) وَجْهَ مَنْ يُعَامِلُهَا (مَعَ كَفَّيْهَا) فَيَنْظُرُ لِوَجْهِهَا لِيَعْرِفَهَا بِعَيْنِهَا، فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالدَّرْكِ، وَإِلَى كَفَّيْهَا (لِحَاجَةٍ) نَصًّا.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا إذَا كَانَتْ تُعَامِلُهُ. انْتَهَى.
وَأَمَّا الشَّاهِدُ فَلَيْسَ لَهُ النَّظَرُ إلَى غَيْرِ الْوَجْهِ؛ إذْ الشَّهَادَةُ لَا دَخْلَ لَهَا فِي الْكَفَّيْنِ. أَفَادَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَلِطَبِيبٍ وَمَنْ يَلِي خِدْمَةَ مَرِيضٍ) أَوْ أَقْطَعَ يَدَيْنِ (وَلَوْ أُنْثَى فِي وُضُوءٍ وَاسْتِنْجَاءٍ نَظَرٌ وَمَسُّ مَا دَعَتْ إلَيْهِ حَاجَةٌ) حَتَّى الْفَرْجَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَوْضِعُ حَاجَةٍ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ ذِمِّيًّا قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْمُبْدِعِ (وَكَذَا لَوْ حَلَقَ عَانَةَ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ) أَيْ: حَلَقَ عَانَةَ نَفْسِهِ، نَصًّا، فَيُبَاحُ لِلْحَلَّاقِ النَّظَرُ إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي يَحْلِقُهُ (وَيَسْتُرُ غَيْرَ مَوْضِعِ الْحَاجَةِ) وُجُوبًا؛ لِأَنَّهَا عَلَى الْأَصْلِ فِي التَّحْرِيمِ، وَكَذَا لِمَعْرِفَةِ بَكَارَةٍ وَثُيُوبَةٍ وَبُلُوغٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَمَّا حَكَّمَ سَعْدًا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ كَانَ يَكْشِفُ عَنْ مُؤْتَزِرِهِمْ». وَعَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ أُتِيَ بِغُلَامٍ قَدْ سَرَقَ، فَقَالَ: اُنْظُرُوا إلَى مُؤْتَزَرِهِ فَلَمْ يَجِدُوهُ أَنْبَتَ الشَّعْرِ، فَلَمْ يَقْطَعْهُ (وَلْيَكُنْ) نَظَرُ مَنْ يُطَبِّبُ أُنْثَى (مَعَ حُضُورِ مَحْرَمٍ) لَهَا أَوْ زَوْجٍ، لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مَعَ الْخَلْوَةِ مُوَاقَعَةُ الْمَحْظُورِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا كَانَ الشَّيْطَانُ ثَالِثَهُمَا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَلَا امْرَأَةٌ مَعَ امْرَأَةٍ وَلَوْ كَافِرَةٌ مَعَ مُسْلِمَةٍ) نَظَرُ غَيْرِ مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ، لِأَنَّ النِّسَاءَ الْكَوَافِرَ كُنَّ يَدْخُلْنَ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَكُنَّ يَحْجُبْنَ، وَلَا أَمَرَ بِحِجَابٍ.
فَائِدَةٌ:
يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْكَافِرَةُ قَابِلَةً لِلْمُسْلِمَةِ لِلضَّرُورَةِ، وَإِلَّا فَلَا. نَصَّ عَلَيْهِ (وَلِرَجُلٍ مَعَ رَجُلٍ وَلَوْ أَمْرَدَ وَسَيِّدٌ مَعَ أَمَتِهِ الْمَحْرَمَةِ كَمُزَوَّجَةٍ، وَمَجُوسِيَّةٍ نَظَرُ غَيْرِ مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ) لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «احْفَظْ عَوْرَتَك إلَّا مِنْ زَوْجَتِك أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُك» (وَلِامْرَأَةٍ نَظَرُ ذَلِكَ) أَيْ غَيْرِ مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ (مِنْ رَجُلٍ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: «اعْتَدِّي فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ؛ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَك فَلَا يَرَاك». وَقَالَتْ عَائِشَةُ: «كَان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَمَّا «فَرَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُطْبَةِ الْعِيدِ مَضَى إلَى النِّسَاءِ فَذَكَّرَهُنَّ وَمَعَهُ بِلَالٌ، فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ». وَلِأَنَّهُنَّ لَوْ مُنِعْنَ النَّظَرَ لَوَجَبَ الْحِجَابُ عَلَى الرِّجَالِ كَمَا وَجَبَ عَلَى النِّسَاءِ؛ لِئَلَّا يَنْظُرْنَ إلَيْهِمْ. فَأَمَّا حَدِيثُ نَبْهَانَ عَنْ «أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كُنْت قَاعِدَةً عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَحَفْصَةُ، فَاسْتَأْذَنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجِبَا مِنْهُ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ ضَرِيرٌ لَا يُبْصِرُ، فَقَالَ: أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا، أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ»؟ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. فَقَالَ أَحْمَدُ: نَبْهَانُ رَوَى حَدِيثَيْنِ عَجِيبَيْنِ، هَذَا الْحَدِيثُ، وَالْآخَرُ: «إذَا كَانَ لِإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبًا فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ». كَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى ضَعْفِ حَدِيثِهِ، إذْ لَمْ يَرْوِ إلَّا هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ الْمُخَالِفَيْنِ لِلْأُصُولِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: نَبْهَانُ مَجْهُولٌ، لَا يُعْرَفُ إلَّا بِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثُ. وَحَدِيثُ فَاطِمَةَ صَحِيحٌ، فَالْحُجَّةُ بِهِ لَازِمَةٌ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّ حَدِيثَ نَبْهَانَ خَاصٌّ بِأَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، قَالَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، لَكِنَّهُ يُعَارِضُ حَدِيثَ عَائِشَةَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ (وَمُمَيِّزٌ لَا شَهْوَةَ لَهُ مَعَ امْرَأَةٍ كَامْرَأَةٍ) لِأَنَّهُ لَا شَهْوَةَ لَهُ؛ أَشْبَهَ الطِّفْلَ، وَلِأَنَّ الْمُحَرِّمَ لِلرُّؤْيَةِ فِي حَقِّ الْبَالِغِ كَوْنُهُ مَحَلًّا لِلشَّهْوَةِ، وَهُوَ مَعْدُومٌ هُنَا، وَمُمَيِّزٌ (ذُو شَهْوَةٍ مَعَهَا) أَيْ: الْمَرْأَةِ كَمُحَرَّمٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَّقَ بَيْنَ الْبَالِغِ وَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ النَّظَرُ لَمَّا كَانَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ. (وَبِنْتُ تِسْعٍ مَعَ رَجُلٍ كَمُحَرَّمٍ) لِأَنَّ عَوْرَتَهَا مُخَالِفَةٌ لِعَوْرَةِ الْبَالِغَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ مَنْ لَمْ تَحِضْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ، وَكَقَوْلِنَا فِي الْغُلَامِ الْمُرَاهِقِ مَعَ النِّسَاءِ. (وَخُنْثَى مُشْكِلٌ فِي نَظَرِ) رَجُلٍ (إلَيْهِ كَامْرَأَةٍ) تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحَظْرِ.
قَالَ الْمُنَقِّحُ: (وَنَظَرُهُ) أَيْ: الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ (لِرَجُلٍ كَنَظَرِ امْرَأَةٍ إلَيْهِ، وَ) نَظَرُهُ لِامْرَأَةٍ (كَنَظَرِ رَجُلٍ إلَيْهَا) تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحَظْرِ (وَلِكُلِّ) وَاحِدٍ (مِنْ الزَّوْجَيْنِ نَظَرُ جَمِيعِ بَدَنِ الْآخَرِ وَلَمْسِهِ بِلَا كَرَاهَةٍ حَتَّى فَرْجِهَا) لِمَا رَوَى بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ، قَالَ: احْفَظْ عَوْرَتَك إلَّا مِنْ زَوْجِك أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُك» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ الْفَرْجَ مَحَلُّ الِاسْتِمْتَاعِ فَجَازَ النَّظَرُ إلَيْهِ كَبَقِيَّةِ الْبَدَنِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ لَا يَنْظُرَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى فَرْجِ الْآخَرِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: «مَا رَأَيْت فَرْجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَفِي لَفْظٍ «قَالَتْ: مَا رَأَيْتُهُ مِنْ النَّبِيِّ وَلَا رَآهُ مِنِّي»
(كـَ) مَا لَا يُكْرَهُ النَّظَرُ إلَى عَوْرَةِ (وَلَدٍ دُونَ سَبْعِ) سِنِينَ نَصًّا وَلَا يَجِبُ سَتْرُهَا مَعَ أَمْنِ الشَّهْوَةِ؛ لِأَنَّ «إبْرَاهِيمَ ابْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَسَلَهُ النِّسَاءُ» (وَكُرِهَ نَظَرُ فَرْجٍ حَالَ طَمْثٍ) أَيْ: حَيْضٍ، يُقَالُ: طَمِثَتْ الْمَرْأَةُ تَطْمِثُ، كَبَصِرَ وَسَمِعَ، إذَا حَاضَتْ، فَهِيَ طَامِثٌ، فَيَكُونُ أَيْضًا بِمَعْنَى الْجِمَاعِ، وَزَادَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَحَالَ الْوَطْءِ (وَ) كُرِهَ (تَقْبِيلُهُ) أَيْ: الْفَرْجِ (بَعْدَ جِمَاعٍ لَا قَبْلَهُ) قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ وَذَكَرَهُ عَنْ عَطَاءٍ (وَكَذَا سَيِّدٌ مَعَ أَمَتِهِ الْمُبَاحَةِ لَهُ) لِكُلٍّ مِنْهُمَا نَظَرُ بَدَنِ الْآخَرِ وَلَمْسُهُ بِلَا كَرَاهَةٍ حَتَّى فَرْجِهَا؛ لِحَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ. وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ الْمُبَاحَةُ عَنْ الْمُشْتَرَكَةِ وَالْمُزَوَّجَةِ وَالْوَثَنِيَّةِ وَنَحْوِهَا مِمَّنْ لَا تَحِلُّ لَهُ (وَمَنْ لَا يَمْلِكُ إلَّا بَعْضًا) وَلَوْ أَكْثَرَهَا (كَمَنْ لَا حَقَّ لَهُ) فِيهَا فِي تَحْرِيمِ الِاسْتِمْتَاعِ وَالنَّظَرِ إلَى الْعَوْرَةِ؛ لِأَنَّ مَا حَرَّمَ الْوَطْءَ حَرَّمَ دَوَاعِيَهُ (وَحَرُمَ فِي غَيْرِ مَا مَرَّ قَصْدُ نَظَرِ حُرَّةٍ أَجْنَبِيَّةٍ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا النَّظَرُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْأُولَى لَك» أَيْ: مَا كَانَ فَجْأَةً مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ (حَتَّى) قَصْدِ نَظَرِ (شَعْرٍ مُتَّصِلٍ) بِهَا كَسَائِرِ أَجْزَائِهَا وَ(لَا) يَحْرُمُ قَصْدُ نَظَرِ شَعْرٍ (بَائِنٍ) أَيْ: مُنْفَصِلٍ مِنْهَا؛ لِزَوَالِ حُرْمَتِهِ بِالِانْفِصَالِ (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: ظُفْرُهَا) الْمُتَّصِلُ بِهَا (عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتْ فَلَا يَبِنْ) أَيْ: يَظْهَرُ مِنْهَا (شَيْءٌ وَلَا خُفَّهَا) غَيْرَ الصَّفِيقِ (فَإِنَّهُ يَصِفُ الْقَدَمَ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تَجْعَلَ لِكُمِّهَا زِرًّا عِنْدَ يَدَيْهَا) انْتَهَى.
(وَعِنْدَ الْقَاضِي يَجُوزُ النَّظَرُ لِوَجْهِ وَكَفِّ أَجْنَبِيَّةٍ لِغَيْرِ) حَاجَةٍ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ (مَعَ أَمْنِ فِتْنَةٍ) انْتَهَى.
(وَ) قَالَ (فِي الْإِنْصَافِ ) قُلْت: وَ(هَذَا الَّذِي لَا يَسَعُ النَّاسُ غَيْرَهُ خُصُوصًا الْجِيرَانُ) وَالْأَقَارِبُ غَيْرُ الْمَحَارِمِ الَّذِي نَشَأَ بَيْنَهُمْ (وَنَظَرُ خَصِيٍّ وَمَجْبُوبٍ وَمَمْسُوحٍ كَفَحْلٍ) فَيَحْرُمُ، وَلِذَلِكَ لَا تُبَاحُ خَلْوَةُ الْفَحْلِ بِالرَّتْقَاءِ مِنْ النِّسَاءِ (وَاسْتَعْظَمَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ إدْخَالُ الْخُصْيَانِ عَلَى النِّسَاءِ) لِأَنَّ الْعُضْوَ وَإِنْ تَعَطَّلَ أَوْ عُدِمَ، فَشَهْوَةُ الرَّجُلِ لَا تَزُولُ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَلَا يُؤْمَنُ التَّمَتُّعُ بِالْقُبْلَةِ وَغَيْرِهَا (وَحَرُمَ نَظَرٌ لِشَهْوَةٍ أَوْ مَعَ خَوْفِ ثَوَرَانِهَا) أَيْ: الشَّهْوَةِ نَصًّا (لِأَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا) أَيْ: مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَخُنْثَى غَيْرِ زَوْجَةٍ وَسُرِّيَّةٍ؛ لِمَا فِي النَّظَرِ مِنْ الدُّعَاءِ إلَى الْفِتْنَةِ (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (وَمَنْ اسْتَحَلَّهُ) أَيْ: النَّظَرَ (لِشَهْوَةٍ كَفَرَ إجْمَاعًا. وَحَرُمَ نَظَرُهُ لِدَابَّةٍ بِشَهْوَةٍ) وَلَا يُعْفَ عَنْهَا (وَخَلْوَةٌ لَهُ بِهَا) لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ (كـَ) مَا تَحْرُمُ الْخَلْوَةُ (بِقِرْدٍ تَشْتَهِيهِ الْمَرْأَةُ) أَوْ يَشْتَهِيهَا. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ؛ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ (وَمَعْنَى الشَّهْوَةِ التَّلَذُّذُ بِالنَّظَرِ) إلَى الشَّيْءِ (قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ ) وَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَى الْغُلَامِ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ، لِأَنَّهُ ذَكَرٌ أَشْبَهَ الْمُلْتَحِي، مَا لَمْ يَخَفْ ثَوَرَانَ الشَّهْوَةِ، فَيَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ إذَا كَانَ مُمَيِّزًا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفِتْنَةِ (وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ) فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ (تَكْرَارُ النَّظَرِ لِلْأَمْرَدِ مُحَرَّمٌ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (مَنْ كَرَّرَ النَّظَرَ إلَى الْأَمْرَدِ أَوْ دَاوَمَهُ، وَقَالَ: إنِّي لَا أَنْظُرُ لِشَهْوَةٍ فَقَدْ كَذَبَ فِي ذَلِكَ وَقَالَ: الْخَلْوَةُ بِأَمْرَدَ حَسَنٌ وَمُضَاجَعَتُهُ كَامْرَأَةٍ) أَيْ: فَتَحْرُمُ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ (وَلَوْ لِمَصْلَحَةِ تَعْلِيمٍ وَتَأْدِيبٍ وَالْمُقِرُّ مُوَلِّيهِ عِنْدَ مَنْ يُعَاشِرُهُ كَذَلِكَ) أَيْ: مَعَ الْخَلْوَةِ أَوْ الْمُضَاجَعَةِ (مَلْعُونٌ وَدَيُّوثٌ، وَمَنْ عُرِفَ بِمَحَبَّتِهِمْ أَوْ مُعَاشَرَةٍ بَيْنَهُمْ مُنِعَ مِنْ تَعْلِيمِهِمْ انْتَهَى.
قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ لِرَجُلٍ) صَدِيقٍ لَهُ قَدِمَ مِنْ خُرَاسَانَ وَ(مَعَهُ غُلَامٌ جَمِيلٌ هُوَ ابْنُ أُخْتِهِ: الَّذِي أَرَى لَك أَنْ لَا يَمْشِيَ مَعَك فِي طَرِيقٍ) وَقَالَ لَهُ: إذَا جِئْتنِي لَا يَكُونُ مَعَك، فَقَالَ لَهُ: إنَّهُ ابْنُ أُخْتِي. قَالَ: وَإِنْ كَانَ، لَا يَأْثَمُ النَّاسُ فِيك (وَكَرِهَ أَحْمَدُ مُجَالَسَةَ الْغُلَامِ الْحَسَنِ الْوَجْهِ) خَشْيَةَ الِافْتِتَانِ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: كَانَ السَّلَفُ يَقُولُونَ فِي الْأَمْرَدِ: هُوَ أَشَدُّ فِتْنَةً مِنْ الْعَذَارَى، فَإِطْلَاقُ الْبَصَرِ مِنْ أَعْظَمِ الْفِتْنَةِ. وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ قَالَ: مَنْ أُعْطِيَ أَسْبَابَ الْفِتْنَةِ مِنْ نَفْسِهِ أَوَّلًا؛ لَمْ يَنْجُ مِنْهَا آخِرًا، وَإِنْ كَانَ جَاهِدًا.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَالْأَمْرَدُ يُنْفِقُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَهُوَ شَبَكَةُ الشَّيْطَانِ فِي حَقِّ النَّوْعَيْنِ. تَكْمِلَةٌ: قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذَبَارِيُّ: قَالَ لِي أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ الْمُؤَدِّبُ: يَا أَبَا عَلِيٍّ مِنْ أَيْنَ أَخَذَ صُوفِيَّةُ عَصْرِنَا هَذَا الْأُنْسَ بِالْأَحْدَاثِ؟ فَقُلْت لَهُ: يَا سَيِّدِي أَنْتَ بِهِمْ أَعْرَفُ، وَقَدْ تَصْحَبُهُمْ السَّلَامَةُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأُمُورِ فَقَالَ: هَيْهَاتَ قَدْ رَأَيْنَا مَنْ كَانَ أَقْوَى إيمَانًا مِنْهُمْ إذَا رَأَى الْحَدَثَ قَدْ أَقْبَلَ يَفِرُّ كَفِرَارِهِ مِنْ الزَّحْفِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تَغْلِبُ الْأَحْوَالُ عَلَى أَهْلِهَا، فَتَأْخُذُهَا عَنْ تَصَرُّفِ الطِّبَاعِ، مَا أَكْثَرَ الْخَطَرَ، مَا أَكْثَرَ الْغَلَطَ.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: وَسَمِعْته حِينَئِذٍ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَمَعَهُ غُلَامٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، فَقَالَ لَهُ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: ابْنِي، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: لَا تَجِئْ بِهِ مَعَك مَرَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا قَامَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَافِظُ: أَيَّدَ اللَّهُ الشَّيْخَ، إنَّهُ رَجُلٌ مَسْتُورٌ، وَابْنُهُ أَفْضَلُ مِنْهُ، فَقَالَ أَحْمَدُ: الَّذِي قَصَدْنَا لَهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ لَيْسَ يَمْنَعُ مِنْهُ سِتْرُهُمَا، عَلَى هَذَا رَأَيْنَا أَشْيَاخَنَا، وَبِهِ أَخْبَرُونَا عَنْ أَشْيَاخِهِمْ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: سَمِعْت إبْرَاهِيمَ بْنَ هَانِئٍ يَقُولُ: سَمِعْت يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ: مَا طَمِعَ أَمْرَدُ بِصُحْبَتِي وَلَا لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي طَرِيقٍ، وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ: لَا تُجَالِسُوا أَوْلَادَ الْأَغْنِيَاءِ، فَإِنَّ لَهُمْ صُوَرًا كَصُوَرِ النِّسَاءِ، وَهُمْ أَشَدُّ فِتْنَةً مِنْ الْعَذَارَى.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: النَّظَرُ إلَى الْمُرْدَانِ جَائِزٌ عَلَى طَرِيقِ الْجُمْلَةِ إذَا لَمْ تَعْرِضْ شَهْوَةٌ، وَلَمْ يُوقَظْ نَظَرُهُمْ مِنْ النَّفْسِ الْتِذَاذًا أَوْ مَيْلًا؛ لِكَوْنِ الشَّرْعِ لَمْ يَأْمُرْ؛ بِتَغْطِيَتِهِمْ، وَجَوَّزَ دُخُولَهُمْ وَخُرُوجَهُمْ، وَالِاجْتِمَاعَ بِالرِّجَالِ فِي الْحَمَّامَاتِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ الشَّرْعُ مَبْنِيًّا عَلَى شَهَوَاتِ الْفُسَّاقِ، فَصَارَتْ الشَّهْوَةُ لَهُمْ كَمَنْ يَشْتَهِي الْبَهَائِمَ وَالرِّجَالَ. انْتَهَى، أَفَادَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُحَرَّر. (وَلَمْسٌ كَنَظَرٍ) فَيَحْرُمُ حَيْثُ يَحْرُمُ النَّظَرُ، (بَلْ) اللَّمْسُ (أَوْلَى) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ النَّظَرِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حِلِّ النَّظَرِ حِلُّ اللَّمْسِ كَالشَّاهِدِ وَنَحْوِهِ (وَكَرِهَ أَحْمَدُ مُصَافَحَةَ النِّسَاءِ، وَشَدَّدَ أَيْضًا حَتَّى لِمَحْرَمٍ، وَجَوَّزَهُ لِوَالِدٍ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ: وَمَحْرَمٌ (وَ) جُوِّزَ (أُخِذَ يَدِ عَجُوزٍ) وَفِي الرِّعَايَةِ (وَشَوْهَاءَ)، (وَلَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ مَعَ أَمْنِ فِتْنَةٍ لِقَادِمٍ مِنْ سَفَرٍ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَذَكَرَ حَدِيثَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَدِمَ مِنْ غَزْوٍ فَقَبَّلَ فَاطِمَةَ» (لَكِنْ لَا يَفْعَلُهُ عَلَى الْفَمِ أَبَدًا، بَلْ الْجَبْهَةِ وَالرَّأْسِ) وَنَقَلَ حَرْبٌ فِيمَنْ تَضَعُ يَدَهَا عَلَى بَطْنِ رَجُلٍ لَا تَحِلُّ لَهُ، قَالَ: لَا يَنْبَغِي إلَّا لِضَرُورَةٍ؛ وَنَقَلَ المروذي: تَضَعُ يَدَهَا عَلَى صَدْرِهِ، قَالَ: ضَرُورَةً. (وَكُرِهَ نَوْمُ رَجُلَيْنِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ أَوْ مُرَاهِقَيْنِ مُتَجَرِّدَيْنِ تَحْتَ ثَوْبٍ أَوْ لِحَافٍ وَاحِدٍ) ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ. وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مُبَاشَرَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَالْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ».
قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا ثَوْبٌ، فَلَا يُكْرَهُ نَوْمُهَا تَحْتَ ثَوْبٍ وَاحِدٍ، أَوْ لِحَافٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ: مُتَجَرِّدَيْنِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ كَرَاهَةَ (هَذَا) النَّوْمِ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَذْكُورَةِ (مَعَ أَمْنِ فِتْنَةٍ) عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا (وَ) أَمْنِ (نَظَرِ عَوْرَةٍ) (وَ) أَمْنِ (لَمْسِ) بَشَرَةٍ (وَإِلَّا) يُؤْمَنُ ذَلِكَ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ زَوْجٍ وَسَيِّدٍ، وَالْآخَرُ أُنْثَى، أَوْ كَانَ رَجُلٌ مَعَ أَمْرَدَ (حَرُمَ) نَوْمُهُمَا تَحْتَ ثَوْبٍ وَاحِدٍ، أَوْ لِحَافٍ وَاحِدٍ؛ لِمَا يَأْتِي فِي الْإِخْوَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِذَا بَلَغَ الْإِخْوَةُ عَشْرَ سِنِينَ) ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا، أَوْ إنَاثًا وَذُكُورًا (فَرَّقَ) أَيْ: فَرَّقَ وَلِيُّهُمْ (بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» أَيْ: حَيْثُ كَانُوا يَنَامُونَ مُتَجَرِّدِينَ كَمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ.
قَالَ فِي الْآدَابِ: هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ. وَالْمَنْصُوصُ: وَاخْتَارَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وُجُوبَ التَّفْرِيقِ فِي ابْن سَبْعٍ فَأَكْثَرَ، وَأَنَّ لَهُ عَوْرَةً يَجِبُ حِفْظُهَا، أَيْ: عَنْ الْمُبَاشَرَةِ (وَصَوْتُ الْأَجْنَبِيَّةِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَيَحْرُمُ تَلَذُّذٌ بِسَمَاعِهِ) أَيْ: صَوْتِ الْمَرْأَةِ غَيْرِ زَوْجَتِهِ وَسُرِّيَّتِهِ، (وَلَوْ) كَانَ صَوْتُهَا (بِقِرَاءَةٍ) لِأَنَّهُ يَدْعُو إلَى الْفِتْنَةِ بِهَا، وَتَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهَا تُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ إنْ سَمِعَهَا أَجْنَبِيٌّ. (وَحَرُمَ خَلْوَةُ غَيْرِ مَحْرَمٍ) بِذَاتِ مَحْرَمِهِ (عَلَى الْجَمِيعِ مُطْلَقًا) أَيْ: بِشَهْوَةٍ وَدُونِهَا وَ(كَرَجُلٍ) وَاحِدٍ يَخْلُو (مَعَ عَدَدٍ مِنْ نِسَاءٍ وَعَكْسُهُ) بِأَنْ يَخْلُوَ عَدَدٌ مِنْ رِجَالٍ بِامْرَأَةٍ (وَلَوْ) كَانَتْ خَلْوَتُهُمْ (بِرَتْقَاءَ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَ) حَرُمَ (تَزَيُّنُ امْرَأَةٍ لِمَحْرَمٍ، كَأَبٍ وَأَخٍ، غَيْرِ زَوْجٍ وَسَيِّدٍ) لِدُعَائِهِ إلَى الِافْتِتَانِ بِهَا.